موضوع مخاطر الأمية على الأمن الاجتماعي، ودور الأئمة والمساجد في معالجتها، الموضوع فيه ثلاثة أطراف: ألم، وأمل، وبرنامج عمل.
الألم الأكبر الذي يصيب أمتنا أنها هي الأولى في العالم، أمة اقرأ هي الأمة الأمية الأولى في العالم.. نعم.. في عصر ثورة المعلومات والجينات والتكنولوجيا والاتصالات يوجد 900 مليون في العالم لا يعرفون القراءة والكتابة، وفقا للتعريف القديم للأمية، أما التعريف الحديث للأمية هو أمية الكمبيوتر، نحن نتكلم الآن في الأمية القديمة.
عالمنا العربي الذي فيه 300 مليون عربي، حسب آخر إحصائية لهيئة اليونسكو فيه 99 مليون أمي عربي لا يقرأ ولا يكتب.
وإذا صحت هذه الإحصائية فإنها تكون بمثابة قنبلة، قنبلة تنفجر، أي خطر على الأمن الاجتماعي، كيف نتواصل مع أُمي لا يقرأ ولا يكتب!
هل يعقل أن أمة الإسلام، أمة اقرأ التي أمر الله فيها بالعلم 865 مرة، وأمر بالتدبر والتذكر 285 مرة، والسؤال 129 مرة، والسؤال نصف العلم، هل يعقل أن تكون هذه الأمة بها هذه الكثافة الرهيبة من الأميين!!
بيئة الأمية = شيطان:
إن خطر هذه الأمية يكمن في أنه أول منطقة يعشش فيها الشيطان والهوى والمخدرات والانفلات، وكما قال أخي الدكتور عصام البشير: تكفير ثم تفجير.
فالفكر الذي يخرج عن الوسطية إلى التحجر أو التحلل، هو بيئة الأمية، فالأمي عنده فراغ عقلي {وأفئدتهم هواء}، وعنده فراغ فكري وقلبي وعاطفي وكل شيء، ومن ثم فهو يحاول أن يشبعه وفق نزغات الشيطان وآلام الهوى.
مؤسسات البحث الأمريكية تقول: أن 75% من المساجين أميون لا يقرءون ولا يكتبون، وكنت في أمريكا أقول: لو أن المراكز الإسلامية قامت بتعليم 22 مليون أمريكي أمي، لا يقرأ ولا يكتب، لضمنوا أن نصفهم على الأقل سيكونون من المسلمين.
الأمية خطر حقيقي:
في منطقتنا العربية والإسلامية، تفلت الطلاب الذين انحازوا إلى المخدرات أكثر من 70% منهم من الأميين.
إذن الأمية خطر حقيقي من الفرد على نفسه، على أسرته، على مجتمعه، على عالمه الذين يعيش فيه، هذا هو الألم.
أما الأمل.. من بين التجارب الناجحة، أنتم تعلمون الاتحاد السوفيتي رغم اختلافنا في كل المنهجية التي قامت عليها منذ بدأت في سبعة وعشرين، 23 /10/1917 إلى أن انهار في 26/12/1992، فأول مادة من الدستور لديهم كانت لا إله والحياة المادة، لكنهم قاموا بعمل تحدي لأنفسهم أن ينهوا الأمية فانخفضت إلى 1%.
ومن التجارب الناجحة التي تعطي الأمل داخل عالمنا الإسلامي ثلاث تجارب: تجربة البحرين، وتجربة المغرب، وتجربة فلسطين.
تجربة البحرين.
أما تجربة مملكة البحرين.. فإنها ارتفعت بمستوى الاهتمام بقضية الأمية، أن جعلت المادة السابعة من دستورها محو الأمية في المجتمع، ثم في القانون رقم 27 لسنة 2005م، نظم القانون في المادة 27 ضرورة إنهاء الأمية في البحرين، ووصلت في برامجها العملية المتطورة تربويًا، والتي تعمل في الكمبيوتر حتى تطوير مفهوم محو الأمية إلى الأمية التقنية، واستعمال الكمبيوتر وتعليم النساء كيف تكون زوجة، وليس أمية فقط للقراءة والكتابة بل وكزوجة وكأم.
وأصبحت نسبة القراء في البحرين 97.3%، يعني نسبة الأميين 2.7%؛ وهيئة اليونسكو تعتبر أن تحت 13% يعتبر نسبة معقولة في مراحل التطوير وإنهاء هذه المسألة.
تذهب النساء ويذهب الرجال مجانًا إلى مؤسسات، ومن يحصل على شهادة لمحو الأمية ينضم إلى تعليم الكبار، يحصل على الإعدادية ثم الثانوية، ويمكن أن يكمل تعليمه في الجامعة، ومكافآت للموظفين، بل هناك تعليم الأمية داخل دوائر العمل لتسهيل المسألة على الموظفين، هذه تجربة مملكة البحرين.
تجربة المغرب:
أما المملكة المغربية فتبنت أمرًا، وهذا ما أدعو إليه، أرسلت إلى الأئمة والمساجد للتعاون معهم في مسألة محو الأمية، وأعدت مخططا خمسيا، خطة خمسية من 2005 إلى 2010، واستهدفت أن ينهوا أمية نصف مليون إنسان في المغرب، ونسبة الأمية هناك بالفعل عالية جدا.
وكانت النتيجة هي أكبر نسبة نجاح وعدم تسرب، وزارة التربية تقوم وحدها على رعاية هذا المشروع، ونجاح فوق الـ 156%، وتحقيق لأعلى فاعلية، وفي عام 2008م و2007م أدرجوا 1353 مسجدا، يقوم فيها الأئمة والمدرسون على محو الأمية، ووضعوا أيضا مسألة في غاية الأهمية، فقد جعلوا عدد النساء أكبر من عدد الرجال، وذلك لأن نسبة الأمية في العالم العربي عشرة مليون طفل، خمسين مليون امرأة، والباقي من الرجال.
وبالفعل أقبلت النساء بقوة على تعلم اللغة العربية وكيفية القراءة والكتابة، ثم جعلت خططتها أن سنة 2010 تصل إلى 2530 مركز أو مسجد يقوم على محو الأمية، والخطة تسير بنجاح هائل جدا.
تجربة فلسطين:
أما في فلسطين فبالرغم من هذا العدوان الغاشم المستمر، أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدم هذا الصرح الصهيوني وأن يحرر فلسطين من هذا العدوان، فاليهود هدموا في خلال ثلاث سنوات 300 مدرسة، حولوا 43 منها إلى ثكنات عسكرية، عطلت الدراسة في 1325 مدرسة، اعتقلوا 1022 طالب، قتلوا منهم 390، إلا أن المقاومة في الداخل تبنت أمرين:
- مقاومة المحتل في الخارج.
- مقاومة الأمية في الداخل.
ووصلوا إلى مستوٍ مع كل هذا الظروف، إلى أن نسبة الأمية في الرجال 2.9%، وفي النساء 10%، يعني أيضا تحت خط الأمية المعلن عنه عالميًا!!.
الأمية سرطان العرب:
هذا عن الأمل.. أما عن العمل.. فإنني أدعو وبقوة إلى مشاركة ما قامت به بعض وزارات التربية، أن يقوم الأئمة والمساجد اقتداءً بتجربة المغرب، وأن يأخذ الجانب القانوني والتربوي الاهتمام الأكبر، كما حدث في مملكة البحرين، وأن يكون عنصر التحدي لهذا المرض العضال، سرطان العرب كما اسماه بعض الكتاب، فالأمية سرطان العرب.
لابد أن تأخذ هذه القضية أولوية أساسية في علاج الأمن الاجتماعي، في مسألة التنمية، لا يمكن تحقيق أي شيء مع هذه النسبة العالية جدا من الأمية.
رسالة المسجد:
هذا اضطرني إلى أن أبحث رسالة المجلس، وأن أورد كثيرًا من هذه الوقائع العملية، ولعل في بحث شيخنا الأستاذ الدكتور أحمد هُليل، ما قدمه عن أهمية هذا الوقف التعليمي المخصص لموضوع التعليم، أو رصد رسالة المسجد كما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي الأكثر التي أراها حتى اليوم في المراكز الإسلامية في الغرب، أكثر مما يحدث حقيقة في كثير من بلادنا الإسلامية.
يجب أن تعود قضية التعليم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت قضية الأسرى تعرفون كيف كان فداؤهم؟!.
محو الأمية أولوية:
نحن نريد أن نجعل قضية محو الأمية على أولويات برامج أمتنا العربية والإسلامية، وأن نتحول إلى مشروع إسلامي أولاً، ثم قومي، وعربي ثانيا، وثالثا أن تكون هذه المظلة، نستفيد بهذه القوة الهائلة التي يعطيها القرآن وتعطيها السنة الأهمية (العلم والتعلم).
نريد أن نستفيد من القبول الطيب الموجود في الأئمة، مع كل ما يمكن أن نشكو منه من مستويات الأئمة الآن، إلا أنهم لا يزالون في عالمنا الإسلامي هم أكبر الناس قبولاً، ويسمع الناس لهم في عالمنا الإسلامي كله.
إذن نستفيد من هذه العلاقة بين الإنسان العادي وإيمانه، لكي يكون للأئمة بعد التدريب، لا أقول قبل التدريب، يدرب على أن يكون مدرسا، ويعلم الأئمة وتكون وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية تطلع مع المساجد لدور بارز في مسألة محو الأمية.
عندنا أمراض كثيرة أهمها الفقر والجهل والمرض، وهي أمراض متلازمة، هذه الأمراض الثلاثة يجب أن يكون لوزارات الأوقاف والشئون الإسلامية والمساجد بدور خاص، يجب أن يكون لها دور في هذه المسألة وفي هذه المهمة بالغة الأهمية في عالمنا الآن.
التوصيات:
أخيرًا التوصيات..
التوصية الأولى.. أو خلاصة البحث..
1- يجري استشعار الألم أن تكون أمة اقرأ هي الأمة الأولى في العالم في نسبة الأمية والنفقات على التعليم هي أقل من دول العالم كله.
2- استصحاب الأمل من خلال النماذج الناجحة في علاج سرطان الأمية، خاصة في بلادنا الإسلامية مثل مملكة البحرين، والمغرب، وفلسطين المحتلة.
3- استنهاض الهمم نحو مقاومة الأمية في كل الأعمار صغارًا، وكبارًا، رجالا ونساءً، وأن يطرح مشروع محو الأمية كمشروع إسلامي قومي وطني بأولوية.
4- وضع برامج عمل للتنسيق بين الأئمة والمساجد ووزارات التربية والشركات التجارية، والخبرات العلمية والتربوية، محددة بجداول زمنية ونسبة مئوية للقضاء على مرض الأمية، يجب أن يعود للأئمة والمساجد دورهم في إصلاح أوطانهم وأمتهم، وأن يُعطوا الفرصة لاستعادة الدور الحقيقي للمسجد في خدمة المجتمع، وتحقيق أمنه وتحقيق استقراره وترابط أبناءه (1).
الكاتب: د. صلاح سلطان.
المصدر: موقع أ. د. صلاح سلطان.